الحمد لله والصلاة وعلى مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, إن إيراد
مثل هذه الشبهة دون التطرق للوضع الذي وجده الإسلام في الجاهلية سائدا في العلاقات
الاجتماعية وخصوصا الزواج وكيف ابتكر الإسلام الحلول الناجعة لتقويم الأوضاع
الفاسدة، ولم تضمي سنوات حتى قبرت كل هذه الآفات وطواها الزمن وقد كانت متجدرة في
المجتمع الجاهلي
فإن المنصف يجب أن يعترف بالتغيير الواضح الذي لحق بالعرب بعد بعثة النبي صلى الله
عليه وسلم في كل مناحي حياتهم حتى إن الدارس لا يكاد يقول أن المسلمين لم تكن لهم
صلة بالجاهلية ولم يكونوا غارقين فيها حتى انتشلتهم الرحمة الربانية بالدين الخاتم.
كيف عالج الإسلام ما كان في الجاهلية من فساد.
في هذا القسم نتطرق بإيجاز لعلاج الإسلام للفساد الذي كان متفشيا في المجتمع
الجاهلي. إننا لو تفحصنا الوضع الجاهلي لوجدنا الضلال قد عم كل شيء انطلاقا من
العقيدة إلى ابسط التعاملات بين الأفراد, فكانت الحكمة تقتضي البدء بالأهم ثم المهم
وهذه طريقة الإسلام في الإصلاح، فأول ما ركز عليه الإسلام هو التوحيد ترك عبادة
الأصنام ولو تفحصنا الآيات المكية سيجدها تدور حول هذا الموضوع وتصحيح العقيدة
الجاهلية الفاسدة، فكيف ينزل تشريع إلهي لقوم لا يؤمنون أصلا بالله ولكن مباشرة بعد
تأسيس مجتمع مسلم في المدينة بدأت تنزل التشريعات تباعا لتنظيم المجتمع وتصفيته من
الجاهلية وفي هذا أيضا راعى الإسلام التدرج في طرح التشريعات حتى تكون أسهل في
التطبيق ويكون تقبلها أيسر وكذلك تكون لدي المسلمين زخم إيماني قد تراكم عبر الوقت
وعرفوا حلاوة الدين وكيف غير حياتهم وشهدوا أثره الإيجابي في حياتهم، ولكن لو نزلت
التشريعات دفعة واحدة لكان ذلك في مشقة وعنة واستعجال يؤدي في النهاية إلى فشل ذريع
لكن الإسلام جاء لينجح ويبقى.
جاء في صحيح مسلم ج: 1 ص: 50 حديث 19 "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق
بن إبراهيم جميعا عن وكيع قال أبو بكر حدثنا وكيع عن زكريا بن إسحاق قال حدثني يحيى
بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن بن عباس عن معاذ بن جبل قال أبو بكر ربما قال
وكيع عن بن عباس أن معاذا قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم إنك تأتي
قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم
أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا
لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم
أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله
حجاب" هذا النص يظهر أسلوب الإسلام في إصلاح الناس والذي هو البدء بالعقيدة ثم
التشريعات تباعا أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لمعاذ رضي الله عنه
فإن هم أطاعوك في كل مرة يأمرهم بشيء ولا يتنقل إلى أمر آخر حتى يطيعوه وهذا عين
الحكمة لا يماري فيه إلا جاحد.
النكاح في الجاهلية
الآن وقبل الخوض في الرد على الشبهة يجب أن نذكر كيف كان أمر النكاح أو الزواج في
الجاهلية أو بصفة عامة العلاقة بين الرجل والمرأة في الجاهلية، قي سبيل توضيح ذلك
نورد هذه النصوص:
- صحيح البخاري ج: 5 ص: 1970 حديث 4834 قال يحيى بن سليمان حدثنا بن وهب عن يونس
وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن بن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير
أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته ثم أن النكاح في الجاهلية كان على
أربعة أنحاء فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته
فيصدقها ثم ينكحها ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى
فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل
الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في
نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة
فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها
أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي
كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا
يستطيع أن يمتنع منه الرجل ونكاح الرابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا
تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما فمن أرادهن دخل
عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها
فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم
نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.
- ويقول الإمام الشوكاني تعليقا على النص السابق في نيل الأوطار ج: 6 ص: 300 :قال
الداودي وغيره بقي عليها أنحاء لم تذكرها الأول نكاح الخدن وهو قوله تعالى ولا
متخذات أخدان سورة النساء الآية كانوا يقولون ما استتر فلا بأس به وما ظهر فهو لوم
الثاني نكاح المتعة قد تقدم الثالث نكاح البدل وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي
هريرة كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل انزلي عن امرأتك وأنزل لك عن
امرأتي وإسناده ضعيف جدا
- كما يصف الدكتور المباركفوري في الرحيق المختوم الوضع الجاهلي فيقول: وكان من
المعروف في أهل الجاهلية أنهم كانوا يعددون بين الزوجات من غير حد معروف ينتهي
إليه، حتى حددها القرآن في أربع. وكانوا يجمعون بين الأختين، وكانوا يتزوجون
بزوجة آبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها حتى نهى عنهما القرآن {وَلاَ تَنكِحُواْ
مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ
فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ
وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ
وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم
مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي
حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ
دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ
مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ
إِنَّ الله َ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [سورة النساء: 22، 23] وكان الطلاق
والرجعة بيد الرجال، ولم يكن لهما حد معين حتى حددهما الإسلام.
وكانت فاحشة الزنا سائدة في جميع الأوساط، لا نستطيع أن نخص منها وسطًا دون وسط، أو
صنفًا دون صنف إلا أفرادًا من الرجال والنساء ممن كان تعاظم نفوسهم يأبى الوقوع في
هذه الرذيلة، وكانت الحرائر أحسن حالًا من الإماء، والطامة الكبرى هي الإماء، ويبدو
أن الأغلبية الساحقة من أهل الجاهلية لم تكن تحس بعار في الانتساب إلى هذه الفاحشة،
روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قام رجل فقال: يا رسول الله
، إن فلانًا ابني، عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش وللعاهر الحَجَر)، وقصة
اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زَمْعَة في ابن أمة زمعة ـ وهو عبد الرحمن بن زمعة
ـ معروفة.
من خلال النصوص السابقة نستخلص ما يلي:
- كان الزواج في الجاهلية في عامته يعاني من الفوضى وله صور فضيعة كزواج الرهط و
الاستبضاع والخذن وزواج البدل....
- زواج المتعة كان معروفا في الجاهلية ولم يخترعه الإسلام وليس كما يريد ان يصوره
المغرضون بغية تشويه الإسلام والنيل منه.
- انتشار الزنا في كل الأوساط وخصوصا في صف الإماء
- الإسلام أبطل كل الصور المقيتة للزواج ولم يبقي إلا الصالح منها وإن كان ذلك تم
بتدرج كما هي الحكمة والسنن الكونية التي أراد الله أن يسر الكون على وفقها
نكاح المتعة وتحريمه من الإسلام
نبدأ الكلام نكاح المتعة بذكر النصوص الواردة فيها من الكتب السنة مع الاقتصار على
بعض الروايات لأن ذكر كل الروايات شيء متعذر لضيق المجال ثم نعرض لقول العلماء فيها
وما انتهى إليه رأيهم:
- صحيح البخاري ج: 5 ص: 1966
4824 حدثنا مالك بن إسماعيل أخبرنا بن عيينة أخبرنا عمرو حدثنا جابر بن زيد قال
أنبأنا بن عباس رضي الله عنهما ثم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم باب نهي
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرا 4825 حدثنا مالك بن إسماعيل
حدثنا بن عيينة انه سمع الزهري يقول أخبرني الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبد الله عن
أبيهما أن عليا رضي الله عنه قال لابن عباس ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر 4826 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا
شعبة عن أبي جمرة قال سمعت بن عباس ثم يسأل عن متعة النساء فرخص فقال له مولى له
إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه فقال بن عباس نعم 4827 حدثنا علي
حدثنا سفيان قال عمرو عن الحسن بن محمد عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا
كنا في جيش فأتانا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ثم إنه قد أذن لكم أن
تستمتعوا فاستمتعوا وقال بن أبي ذئب حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن
أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة قال
أبو عبد الله وبينه علي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه منسوخ.
- صحيح مسلم ج: 2 ص: 1022
باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ إلى يوم القيامة 1404 حدثنا
محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني حدثنا أبي ووكيع وابن بشر عن إسماعيل عن قيس قال
سمعت عبد الله يقول ثم كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء
فقلنا الا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ
عبد الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله
لا يحب المعتدين 1404 وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن إسماعيل بن أبي خالد
ثم بهذا الإسناد مثله وقال ثم قرأ علينا هذه الآية ولم يقل قرأ عبد الله 1404
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن إسماعيل بهذا الإسناد قال ثم كنا ونحن
شباب فقلنا يا رسول الله إلا نستخصي ولم يقل نغزو 1405 وحدثنا محمد بن بشار حدثنا
محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت الحسن بن محمد يحدث عن جابر بن
عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا يعني متعة النساء 1405
وحدثني أمية بن بسطام العيشي حدثنا يزيد يعني بن زريع حدثنا روح يعني بن القاسم عن
عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله ثم أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أتانا فأذن لنا في المتعة 1405 وحدثنا الحسن الحلواني
حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج قال قال عطاء ثم قدم جابر بن عبد الله معتمرا
فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال نعم استمتعنا على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر 1405 حدثني محمد بن رافع حدثنا عبد
الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول ثم كنا
نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي
بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث 1405 حدثنا حامد بن عمر البكراوي حدثنا
عبد الواحد يعني بن زياد عن عاصم عن أبي نضرة قال ثم كنت ثم جابر بن عبد الله فأتاه
آت فقال بن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر فعلناهما مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما 1405 حدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة
عن أبيه قال ثم رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى
عنها 1406 وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه سبرة
أنه قال ثم أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة فانطلقت أنا ورجل إلى
امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت ما تعطي فقلت ردائي
وقال صاحبي ردائي وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أشب منه فإذا نظرت إلى رداء
صاحبي أعجبها وإذا نظرت الي أعجبتها ثم قالت أنت ورداؤك يكفيني فمكثت معها ثلاثا ثم
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع
فليخل سبيلها 1406 حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري حدثنا بشر يعني بن مفضل
حدثنا عمارة بن غزية عن الربيع بن سبرة ثم أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمس عشرة ثلاثين بين ليلة ويوم فأذن لنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم في متعة النساء فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو
قريب من الدمامة مع كل واحد منا برد فبردي خلق وأما برد بن عمي فبرد جديد غض حتى
إذا كنا بأسفل مكة أو بأعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة فقلنا هل لك أن
يستمتع منك أحدنا قالت وماذا تبذلان فنشر كل واحد منا برده فجعلت تنظر إلى الرجلين
ويراها صاحبي تنظر إلى عطفها فقال إن برد هذا خلق وبردي جديد غض فتقول برد هذا لا
بأس به ثلاث مرار أو مرتين ثم استمتعت منها فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله
عليه وسلم 1406 وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي حدثنا أبو النعمان حدثنا وهيب
حدثنا عمارة بن غزية حدثني الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال ثم خرجنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح إلى مكة فذكر بمثل حديث بشر وزاد قالت وهل يصلح
ذاك وفيه قال إن برد هذا خلق مح 1406 حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي
حدثنا عبد العزيز بن عمر حدثني الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال ثم يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع
من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله
ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا 1406 وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن
سليمان عن عبد العزيز بن عمر بهذا الإسناد قال ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم قائما بين الركن والباب وهو يقول بمثل حديث بن نمير 1406 حدثنا إسحاق بن
إبراهيم أخبرنا يحيى بن آدم حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة
الجهني عن أبيه عن جده قال ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام
الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها 1406 وحدثنا يحيى بن يحيى
أخبرنا عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد قال سمعت أبي الربيع بن سبرة يحدث عن
أبيه سبرة بن معبد ثم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة أمر أصحابه
بالتمتع من النساء قال فخرجت أنا وصاحب لي من بني سليم حتى وجدنا جارية من بني عامر
كأنها بكرة عيطاء فخطبناها إلى نفسها وعرضنا عليها بردينا فجعلت تنظر فتراني أجمل
من صاحبي وترى برد صاحبي أحسن من بردي فآمرت نفسها ساعة ثم اختارتني على صاحبي
ثلاثا ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن 1406 حدثنا عمرو الناقد وابن
نمير قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه ثم أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة 1406 وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا بن
علية عن معمر عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه ثم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم نهى يوم الفتح عن متعة النساء 1406 وحدثنيه حسن الحلواني وعبد بن حميد عن
يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح أخبرنا بن شهاب عن الربيع بن سبرة
الجهني عن أبيه أنه أخبره ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة زمان
الفتح متعة النساء وأن أباه كان تمتع ببردين أحمرين 1406 وحدثني حرملة بن يحيى
أخبرنا بن وهب أخبرني يونس قال بن شهاب أخبرني عروة بن الزبير ثم أن عبد الله بن
الزبير قام بمكة فقال إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة
يعرض برجل فناداه فقال إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام
المتقين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بن الزبير فجرب بنفسك فوالله
لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك قال بن شهاب فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنه
بينا هو جالس ثم رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها فقال له بن أبي عمرة
الأنصاري مهلا قال ما هي والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين قال بن أبي عمرة إنها
كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله
الدين ونهى عنها قال بن شهاب وأخبرني ربيع بن سبرة الجهني أن أباه قال قد كنت
استمتعت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني عامر ببردين أحمرين ثم
نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة قال بن شهاب وسمعت ربيع بن سبرة يحدث
ذلك عمر بن عبد العزيز وأنا جالس 1406 وحدثني سلمة بن شبيب حدثنا الحسن بن أعين
حدثنا معقل عن بن أبي عبلة عن عمر بن عبد العزيز قال حدثنا الربيع بن سبرة الجهني
عن أبيه ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وقال ألا إنها حرام من
يومكم هذا إلى يوم القيامة ومن كان أعطى شيئا فلا يأخذه 1407 حدثنا يحيى بن يحيى
قال قرأت على مالك عن بن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن
علي بن أبي طالب ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر
وعن أكل لحوم الحمر الإنسية 1407 وحدثناه عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا
جويرية عن مالك ثم بهذا الإسناد وقال سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان إنك رجل تائه
نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يحيى بن يحيى عن مالك 1407 حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب جميعا عن بن عيينة قال زهير حدثنا سفيان بن
عيينة عن الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما عن على ثم أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية 1407
وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله عن بن شهاب عن الحسن
وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي أنه ثم سمع بن عباس يلين في متعة
النساء فقال مهلا يا بن عباس فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر
وعن لحوم الحمر الأنسية 1407 وحدثني وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا بن وهب أخبرني يونس
عن بن شهاب عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما أنه سمع علي
بن أبي طالب يقول لابن عباس ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء
يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الأنسية.
وبعد أن سردنا الروايات الواردة في الموضوع من البخاري ومسلم نذكر أقوال العلماء في
المسألة :
شرح الزرقاني ج: 3 ص: 199
وقال ابن العربي نكاح المتعة من غرائب الشريعة أبيح ثم حرم ثم أبيح ثم حرم فالإباحة
الأولى أن الله سكت عنه في صدر الإسلام فجرى الناس في فعله على عادتهم ثم حرم يوم
خيبر ثم أبيح يوم الفتح وأوطاس على حديث جابر وغيره ثم حرمت تحريما مؤبدا يوم الفتح
على حديث سبرة اه والإجماع على حرمتها وما في مسلم عن جابر استمتعنا على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر زاد في رواية حتى نهى عمر محمول على أن الذي
استمتع لم يبلغه النهي ولم يخالف في ذلك إلا الروافض قال المازري محتجين بالأحاديث
الواردة في ذلك وبقوله تعالى فما استمتعتم به منهن النساء الآية وقرأ ابن مسعود فما
استمتعتم به منهن إلى أجل ولا حجة في شيء من ذلك لأن تلك الأحاديث نسخت والآية
محمولة على النكاح المؤبد وقراءة ابن مسعود لم تتواتر والقرآن لا يثبت بالآحاد
واحتجاجهم بأن اختلاف الروايات في حديث النهي تناقض يوجب القدح في الحديث مدفوع
بأنه لا تناقض لأنه يصح أن ينهى عن الشيء في زمان ثم يكرر النهي عنه في زمن آخر
تأكيدا وتعقب قوله يخالف إلا الروافض بأنه ثبت الجواز عن جمع من الصحابة كجابر وابن
مسعود وأبي سعيد ومعاوية وأسماء بنت أبي بكر وابن عباس وعمرو بن الحويرث وسلمة وعن
جماعة من التابعين وأجيب بأن الخلاف إنما كان في الصدر الأول إلى آخر خلافة عمر
والإجماع إنما هو فيما بعد.
فيض القدير ج: 6 ص: 321
نهى عن المتعة أي عن نكاح المتعة كما هو لفظ رواية أحمد وهو النكاح المؤقت بمدة
معلومة أو مجهولة سمي به لأن الغرض منه مجرد التمتع دون النسل وغيره قال بعض الأئمة
هذا من غريب الشريعة فإنه تداوله النسخ مرتين أبيح ثم حرم ثم أبيح ثم حرم فإنه كان
جائزا في صدر الدين ثم نسخ في خيبر أو عمرة القضاء والفتح أو أوطاس أو تبوك أو حجة
الوداع والأصح ثم جمع الفتح والنووي الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين فكانت
مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت مؤبدا قال
عياض كابن المنذر وقد جاء عن الأوائل الرخصة ثم فيها وقع الإجماع على تحريمها إلا
من لا يلتفت إليه من الروافض وأجمعوا على أنه متى وقع الآن أبطل هبه قبل الدخول أو
بعده إلا أن زفر جعلها كالشروط الفاسدة ولا عبرة بقوله تنبيه أخرج الطبراني عن سعيد
بن جبير قلت لابن عباس لما أفتى بحل المتعة أتدري ما صنعت ربما أفتيت فسارت بفتياك
الركبان وقالت فيه الشعراء قال ما قالوا قلت قالوا قد قال لي الشيخ لما طال مجلسه
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر
الناس فقال إنا لله وإنا إليه راجعون البقرة ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت ولا أحللت
منها إلا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير قال الهيثمي فيه الحجاج بن
أرطاة ثقة يدلس وبقية رجاله رجال الصحيح.
بداية المجتهد ج: 2 ص: 43
أما نكاح المتعة فإنه وإن تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريمه
إلا أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ففي بعض الروايات أنه حرمها يوم
خيبر وفي بعضها يوم الفتح وفي بعضها في غزوة تبوك وفي بعضها في حجة الوداع وفي
بعضها في عمرة القضاء وفي بعضها في عام أوطاس وأكثر فقهاء الأمصار على تحريمها.
فتح الباري ج: 9 ص: 167
قوله باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرا يعني تزويج المرأة إلى
أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة وقوله في الترجمة أخيرا يفهم منه أنه كان مباحا وأن
النهي عنه وقع في آخر الأمر وليس في أحاديث الباب التي أوردها التصريح بذلك لكن قال
في آخر الباب أن عليا بين أنه منسوخ وقد وردت عدة أحاديث صحيحة صريحة بالنهي عنها
بعد الإذن فيها وأقرب ما فيها عهدا بالوفاة النبوية ما أخرجه أبو داود من طريق
الزهري قال كنا ثم عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء فقال رجل يقال له ربيع
بن سبرة أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة
الوداع وسأذكر الاختلاف في حديث سبرة هذا وهو بن معبد بعد هذا الحديث الأول
فتح الباري ج: 9 ص: 170
قال الماوردي في الحاوي في تعيين موضع تحريم المتعة وجهان أحدهما أن التحريم تكرر
ليكون أظهر وانشر حتى يعمله من لم يكن علمه لأنه قد يحضر في بعض المواطن من لا يحضر
في غيرها والثاني أنها ابيحت مرارا ولهذا قال في المرة الأخيرة إلى يوم القيامة
إشارة إلى أن التحريم الماضي كان مؤذنا بان الإباحة تعقبه بخلاف هذا فإنه تحريم
مؤبد لا تعقبه إباحة أصلا وهذا الثاني هو المعتمد ويرد الأول التصريح بالاذن فيها
في الموطن المتأخر عن الموطن الذي وقع التصريح فيه بتحريمها كما في غزوة خيبر ثم
الفتح وقال النووي الصواب أن تحريمها واباحتها وقعا مرتين فكانت مباحة قبل خيبر ثم
حرمت فيها ثم ابيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريما مؤبدا قال ولا مانع من
تكرير الإباحة ونقل غيره عن الشافعي أن المتعة نسخت مرتين وقد تقدم في أوائل النكاح
حديث بن مسعود في سبب الإذن في نكاح المتعة وإنهم كانوا إذا غزوا اشتدت عليهم
العزبة فأذن لهم في الاستمتاع فلعل النهي كان يتكرر في كل موطن بعد الإذن فلما وقع
في المرة الأخيرة أنها حرمت إلى يوم القيامة لم يقع بعد ذلك إذن والله أعلم.
التمهيد لابن عبد البر ج: 10 ص: 115
قال أبو عمر هذه آثار مكية عن أهل مكة قد روي عن ابن عباس خلافها وسنذكر ذلك وقد
كان العلماء قديما وحديثا يحذرون الناس من مذهب المكيين أصحاب ابن عباس ومن سلك
سبيلهم في المتعة والصرف ويحذرون الناس من مذهب الكوفيين أصحاب ابن مسعود ومن سلك
سبيلهم في النبيذ الشديد ويحذرون الناس من مذهب أهل المدينة في الغناء وقد روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم نكاح المتعة مما قد ذكرناه ما فيه شفاء وليس أحد
من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا
عبدالله بن محمد الجهني قال حدثنا أحمد بن محمد المكي قال حدثنا علي بن عبدالعزيز
قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا ابن بكير عن الليث عن بكير بن عبدالله بن وعثمان عن
عمار مولى الشريد قال سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح فقال ابن عباس لا
سفاح.
شرح النووي على صحيح مسلم ج: 9 ص: 179
اعلم أن القاضي عياض بسط شرح هذا الباب بسطا بليغا وأتى فيه بأشياء نفيسة وأشياء
يخالف فيها فالوجه أن ننقل ما ذكره مختصرا ثم نذكر ما ينكر عليه ويخالف فيه وننبه
على المختار قال المازرى ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت
بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نسخ وانعقد الاجماع ولم يخالف فيه الا طائفة من
المستبدعة وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك وقد ذكرنا أنها منسوخة فلا دلالة لهم
فيها وتعلقوا بقوله تعالى فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن الأصح تتعين فلا فما
استمتعتم به منهن إلى أجل وقراءة ابن مسعود هذه شاذة لا يحتج بها قرآنا ولا خبرا
ولا يلزم العمل بها قال وقال زفر من نكح نكاح متعة تأبد نكاحه وكأنه جعل ذكر
التأجيل من باب الشروط الفاسدة في النكاح فإنها تلغى ويصح النكاح قال المازرى
واختلفت الرواية في صحيح مسلم في النهى عن المتعة ففيه أنه صلى الله عليه وسلم نهى
عنها يوم خيبر وفيه أنه نهى عنها يوم فتح مكة فإن تعلق بهذا من أجاز نكاح المتعة
وزعم أن الأحاديث تعارضت وأن هذا الاختلاف قادح فيها قلنا هذا الزعم خطأ وليس هذا
تناقضا لأنه يصح أن ينهى عنه في زمن ثم ينهى عنه في زمن آخر توكيدا أو ليشتهر النهى
ويسمعه من لم يكن سمعه أولا فسمع بعض الرواة النهى في زمن وسمعه آخرون في زمن آخر
فنقل كل منهم ما سمعه وأضافه الى زمان سماعه هذا كلام المازرى قال القاضي عياض روى
حديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة فذكره مسلم من رواية ابن مسعود وابن عباس وجابر
وسلمة بن الأكوع وسيرة بن معبد الجهنى وليس في هذه الأحاديث كلها أنها كانت في
الحضر وإنما كانت في أسفارهم في الغزو ثم ضرورتهم وعدم النساء مع أن بلادهم حارة
وصبرهم عنهن قليل وقد ذكر في حديث ابن أبي عمر أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن
اضطر إليها كالميتة ونحوها وعن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه وذكر مسلم عن سلمة بن
الأكوع إباحتها يوم أوطلس ومن رواية سبرة إباحتها يوم الفتح وهما واحد ثم حرمت
يومئذ وفي حديث على تحريمها يوم خيبر وهو قبل الفتح مسلم عن على أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عنها في غزوة تبوك من رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن
محمد بن علي عن أبيه عنه علي ولم يتابعه أحد على هذا وهو غلط منه وهذا الحديث رواه
مالك في الموطأ وسفيان بن عيينه والعمري ويونس وغيرهم عن الزهرى وفيه يوم خيبر وكذا
ذكره مسلم عن جماعة عن الزهرى وهذا هو الصحيح وقد روى أبو داود من حديث الربيع بن
سبرة عن أبيه النهي عنها في حجة الوداع قال أبو داود وهذا أصح ما روى في ذلك وقد
روى عن سبرة أيضا إباحتها في حجة الوداع ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها
حينئذ إلى يوم القيامة وروى عن الحسن البصري أنها ما حلت قط الا في عمرة القضاء
وروى هذا عن سبرة الجهني أيضا ولم يذكر مسلم في روايات حديث سبرة تعيين وقت الا في
رواية محمد بن سعيد الدرامي ورواية إسحاق ابن إبراهيم ورواية يحيى بن يحيى فإنه ذكر
فيها يوم فتح مكة قالوا وذكر الرواية بإباحتها يوم حجة الوداع خطأ لأنه لم يكن
يؤمئذ ضرورة ولا عزوبة وأكثرهم حجوا بنسائهم والصحيح أن الذى جرى في حجة الوداع
مجرد النهي كما جاء رواية ويكون تجديده صلى الله عليه وسلم النهى عنها يومئذ
لاجتماع الناس وليبلغ الشاهد الغائب ولتمام الدين وتقرر الشريعة كما شيء وبين
الحلال والحرام يومئذ وبت تحريم المتعة حينئذ لقوله إلى يوم القيامة قال القاضي
ويحتمل ما جاء من تحريم المتعة يوم خيبر وفي عمرة القضاء ويوم الفتح ويوم أوطاس أنه
جدد النهي عنها في هذه المواطن لأن حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مطعن فيه بل هو
ثابت من رواية الثقات الإثبات لكن في رواية سفيان أنه نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر
الأهلية يوم خيبر فقال بعضهم هذا الكلام فيه انفصال ومعناه أنه حرم المتعة ولم يبين
زمن تحريمها ثم قال ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر فيكون يوم خيبر لتحريم الحمر خاصة
ولم يبين وقت تحريم المتعة ليجمع بين الروايات قال هذا القائل وهذا هو الأشبه أن
تحريم المتعة كان بمكة وأما لحوم الحمر فبخيبر بلا شك قال القاضي وهذا أحسن لو
ساعده سائر الروايات سفيان قال والأولى ما قلناه أنه قرر التحريم لكن يبقى بعد هذا
ما جاء من ذكر إباحته في عمرة القضاء يوم الفتح ويوم أوطاس فتحتمل أن النبي صلى
الله عليه وسلم أباحها لهم للضرورة بعد التحريم ثم حرمها تحريما مؤبدا فيكون حرمها
يوم خيبر وفي عمرة القضاء ثم أباحها يوم الفتح للضرورة ثم حرمها يوم الفتح أيضا
تحريما مؤبدا وتسقط رواية إباحتها يوم حجة الوداع لأنها مروية عن سبرة الجهني وإنما
روى الثقات الاثبات عنه الإباحة يوم فتح مكة والذي في حجة الوداع إنما هو التحريم
فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه جمهور الرواة ووافقه عليه غيره من الصحابة رضى الله
عنهم من النهى عنها يوم الفتح ويكون تحريمها يوم حجة الوداع تأكيدا وإشاعة له كما
سبق وأما قول الحسن إنما كانت في عمرة القضاء لا قبلها ولا بعدها فترده الأحاديث
الثابتة في تحريمها يوم خيبر وهي قبل عمرة القضاء وما جاء من إباحتها يوم فتح مكة
ويوم أوطاس مع أن الرواية بهذا إنما جاءت عن سبرة الجهني وهو راوي الروايات الأخر
وهي أصح فيترك ما خالف الصحيح وقد قال بعضهم هذا مما تداوله التحريم والإباحة
والنسخ مرتين والله أعلم هذا آخر كلام القاضي والصواب المختار أن التحريم والإباحة
كانا مرتين وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خبير ثم أبيحت يوم مفتح مكة وهو يوم
أوطاس لا تصالهما ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريمها مؤبدا إلى يوم القيامة
واستمر التحريم ولا يجوز أن يقال ان الإباحة مختصة بما قبل خيبر والتحريم يوم خيبر
للتأبيد وأن الذي كان يوم الفتح مجرد توكيد التحريم تقدم إباحة يوم الفتح كما
اختاره المازرى والقاضي لأن الروايات التي ذكرها مسلم في الإباحة يوم الفتح صريحة
في ذلك فلا يجوز إسقاطها ولا مانع يمنع تكرير الإباحة والله أعلم قال القاضي واتفق
العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى أجل لا ميراث فيها وفراقها يحصل بانقضاء
الأجل طلاق ووقع الاجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء الا الروافض وكان ابن
عباس رضي الله عنه يقول بإباحتها وروى عنه أنه رجع عنه قال وأجمعوا على أنه متى وقع
نكاح المتعة الآن حكم ببطلانه سواء كان قبل الدخول أو بعده الا ما سبق عن زفر
واختلف أصحاب مالك هل يحد الواطيء فيه ومذهبنا أنه لا يحد لشبهة العقد وشبهة الخلاف
ومأخذ الخلاف اختلاف الأصوليين في أن الاجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف الرجعة
المسئلة عليها والأصح ثم أصحابنا أنه لا يرفعه بل يدوم.
بعد هذه الشروح الوافية من الأئمة الأجلاء في الموضوع يمكن ان تستخلص النقاط
التالية:
- نكاح المتعة هو نكاح اختل فيه الشرط التأبيد وهو مخالف للزنا تماما فهو يتبث به
النسب وفيه رضا الأهل وقد يتحول إلى نكاح مؤبد فإطلاق الزنا على نكاح المتعة غير
دقيق.
- رخص الإسلام لنكاح المتعة في أول الإسلام لكن الإسلام لم يشجع عليه ولم يدعو له
ولم يحبذه وهذا شيء مهم جدا ففرق بأن تسمح بشيء لظروف وبين ان تشجع عليه وتدعو
الناس إليه ولهذا نرى كيف تكرر النهي وهذا دليل واضح ان الإسلام لم يكن يشجع عليه
بل كان يسمح به لظروف المجتمع الجاهلي التي شرحناها فيما سبق.
- إجماع العلماء على أن نكاح المتعة حرم تحريما مؤبدا والأحبار الواردة في ذلك
متواترة وحتى الصحابة الذين خالفوا في ذلك رجعوا عن قولهم لما علموا ذلك فيكون بذلك
إجماعا على تحريمه فلا يقال الإسلام يحل نكاح المتعة بحال من الأحوال ولكن سمح به
من باب التدرج في التشريع كما سبق بيانه ومثله مثل الخمر فقد حرم الخمر على ثلاثة
مراحل وهذا دأب الإسلام في التشريع.
قبل ان ننهي هذا المقال المتواضع نريد نعمل مقارنه مع تشريعات الكتاب المقدس في نفس
الموضوع فلتقرأ هذا النص وننظر كيف حل بنو بنيامين مشكلة النساء عندهم: جاء في سفر
القضاة الإصحاح 21
16 فقال شيوخ الجماعة ماذا نصنع بالباقين في أمر النساء لأنه قد انقطعت النساء من
بنيامين.17 وقالوا ميراث نجاة لبنيامين ولا يمحى سبط من اسرائيل.18 ونحن لا نقدر ان
نعطيهم نساء من بناتنا لان بني اسرائيل حلفوا قائلين ملعون من أعطى امرأة
لبنيامين.19 ثم قالوا هوذا عيد الرب في شيلوه من سنة الى سنة شمالي بيت ايل شرقي
الطريق الصاعدة من بيت ايل إلى شكيم وجنوبي لبونة.20 وأوصوا بني بنيامين قائلين
امضوا واكمنوا في الكروم.21 وانظروا فإذا خرجت بنات شيلوه ليدرن في الرقص فاخرجوا
انتم من الكروم واخطفوا لأنفسكم كل واحد امرأته من بنات شيلوه واذهبوا الى ارض
بنيامين.22 فإذا جاء آباؤهنّ او اخوتهنّ لكي يشكوا الينا نقول لهم تراءفوا عليهم
لأجلنا لأننا لم ناخذ لكل واحد امرأته في الحرب لأنكم انتم لم تعطوهم في الوقت حتى
تكونوا قد اثمتم.23 ففعل هكذا بنو بنيامين واتخذوا نساء حسب عددهم من الراقصات
اللواتي اختطفوهنّ وذهبوا ورجعوا إلى ملكهم وبنوا المدن وسكنوا بها.
فانظر أخي القارئ كيف يجعل خطف النساء أو بالأصح الراقصات هو الحل لمشكلة مثل هذه
فالحمد لله على نعمة الإسلام وكيف ارتقى بنا إلى التشريع الذي يحترم الإنسان ويعلي
قدره.
في الأخير لا يسعني إلا أن أسأل الله أن يجعل هذا العمل المتواضع خالصا لوجهه
الكريم وينفع به وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
| |









|